
الكاتب الكبير صالح المسعودى
لن تعرف قيمة وطنك إلا عندما تغادره وتبتعد عنه ولو لسويعات قليلة تماما كما يحدث مع ( الرسام ) عندما يقوم برسم ( لوحة جميلة ) فإنه مضطر أن يعود للخلف قليلا حتى يتمتع بجمال ما رسم ، فبالبعد ولو القليل يتم الاشتياق فكما يقول المثل القديم ( زر غباً تزد حباً )
بالتأكيد عزيزي القارئ المحترم أنني لم أقصد بهذه المقدمة أن أدعوك لمغادرة وطنك العزيز مصر ولا دعوة لك للتفكير في الهجرة ، ولكن هو الحنين الذي ينتاب كل مغترب عن مصر فمهما كانت المميزات خارج مصر لن تغنيك عن دفيء هذا الوطن هكذا أحسست بما يجول في عقل وقلب صديقي المهاجر
فقد فوجئت بالكلمات تنساب من بين شفتيه كأنها شلال شوق وحنين ، فهو يتحدث عن مصر كأنه يرسم لوحة فنية لحبيبة تعلق قلبه ووجدانه بها فحديثه يخرج من القلب مباشرة ( فهو لا ينتقي أو ينمق الكلمات ) فيشعرك أنك تتحرك على تراب جنة وتستنشق عبيراً وليس هواءً كما هو الحال في بلاد العالم الأخرى
ثم يدلل على حديثه ويسوق الأسباب التي تؤكد وجهة نظره بأن وطنه مختلف عن الأوطان الأخرى فيقول ( هل تعتقد أنه بإمكانك أن تجد وطن كمصر ؟ ) ويستطرد مجيباً على نفسه ( من المستحيل بالطبع أن تجد وطن كمصر فهو وطن مختلف في موقعه وجوه وشعبه ) فمصر تتوسط العالم كأنها رمانة الميزان لهذا الكون
ثم هذا المناخ الخرافي الذي لا يقتلك حره صيفاً ولا يجمدك زمهريره شتاءً فتناغم الأقاليم في بوتقة واحدة جعل من مصر مقصدا سياحياً مبهراً فلا ينقطع زواره ومحبيه طوال أيام السنة بل هناك الكثير من الزوار من يبحث عن القرب الدائم بأن يجعل له ارتباطا ابديا من خلال الإقامة في مصر لأنها منحته دفء المشاعر فلم تجعله يحس بالغربة فيها
أما عندما تذكر شعبها فحدث ولا حرج ، فمن مثل المصريين في المروءة فكل ما عليك أن تراقب حوادث الطرق مثلا في مصر وخارجها وشاهد كيف يقوم صاحب المروءة المصري بالتضحية بنفسه من أجل إنقاذ غيره بل وترى الطرق تكاد تتوقف تماما ليتجه الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في نفس الوقت الذي ترى فيه معظم دول العالم يمر أهلها على الحوادث فيلتقطون صور ( السيلفي ) مع المصابين أو الموتى
وقس على ذلك الكثير من صور المروءة في الحرائق مثلا ومدى تضحية الشباب بأنفسهم في سبيل إنقاذ أصحاب الحريق كل ما سبق وغيره صور بسيطة للمواطن المصري الذي يتميز بطيبة القلب والكرم بل والإيثار فهو شعب مختلف عن الغير يقطن في وطن مختلف عن الأوطان ، ويستطرد قائلا ( ولكن ) واه ثم آه من لكن ( ولكن ينقص هذا الشعب أن يرى مصر من خارجها حتى يراها جيداً )
قلت لصديقي من الصعب أن نقنع هذا الشعب أن يرتحل جميعه من مصر حتى يرى من خارجها مدى جمالها وروعتها وحنيتها ، ولكن اطمئن يا صديقي فمصر تمرض ولكنها لا تموت وإن كانت تعطلت مسيرتها لأسباب داخلية أو خارجية فتأكد أنها ستنطلق وستعود لسابق عهدها فإنها تمتلك المعدن الطيب الذي يكفيه إزاحة التراب عنه حتى يعود بريقه يخطف الأبصار ……….
صالح المسعودي
لا تعليق